بالقطع لم يكن الأمر مفاجأة، بل كان متوقعا ومنذ قترة طويلة.. وربما على العكس جاء الإعلان عنه متأخرا بعدما ظهرت إرهاصاته جلية جسدتها مواقف كثيرة.
لم يتفاجأ أحد إذا بالإعلان عن تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات العربية وبين إسرائيل.. حمله إتفاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد الإمارات ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من خلال إتصال تليفونى لمباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إسرائيل والإمارات.
تحمل الأسابيع المقبلة ترجمة واقعية على هذا الاتفاق حيث يتم توقيع إتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الإستثمار والسياحة والأمن والصحة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات.
وبرغم أن الأمر لم يكن مفاجأة، ورغم أن حبال الود والتعاون المشترك والتفاهم والإتفاق لم يكن جديدا، إلا أن توقيت الإعلان عن تطبيع العلاقات بين البلدين فرض تساؤلات عديدة.
فما هو السبب الذى دفع الإمارات لاختيار هذا التوقيت بالذات؟
وهل ما أقدمت عليه هو ضربة تراها مستحقة لتخويف وردع إيران لتعزز من أوراق ضغطها وتقلل من مكاسبها وتستنزف قوتها المشتتة في أكثر من جبهة؟
أم أن الاتفاق جاء بعيدا عن كل تلك الحسابات، وأن توقيته جاء طبيعيا متسقا مع مواقف الإمارات الأخيرة التي بدت فيها أداة طيعة في يد الولايات المتحدة، واقرب لرجلها المنوط به تنفيذ سياستها وأوامرها والممهد لكل خطواتها وتحركاتها في المنطقة؟
لكن بغض النظر عن مغزى التوقيت وحرية الإمارات في إتخاذ ماتراه من سياسات تتفق وقناعتها ومصالحها الخاصة، لانستطيع أن نمنع أنفسنا من التساؤل عن جدوى التطبيع مع إسرائيل في الوقت الحالي؟ وما هى المكاسب التي ستعود على الإمارات من ذلك؟ وفى المقابل ماهى التنازلات التي تقدمها إسرائيل مقابل هذا التطبيع؟ والأهم على أي مدى يؤثر ذلك التطبيع على القضية الفلسطينية، وهل يصب في صالحها أم العكس؟؟
وهل يكفى ما تردد حول توقف إسرائيل عن خطة ضم أراضي فلسطينية وفقا لخطة ترامب التي أعلنها في يناير الماضى لتكون تنازلا مرضيا في مقابل التطبيع؟
يخيم التخوف والرفض والحذر ليظل عدم الترحيب، بل والرفض أقرب لتعاملنا مع تطبيع بدا في عيوننا مجانيا أخطأ الهدف والتوقيت.
فمن غير المنطقى قبول علاقات طبيعية مع إسرائيل في الوقت الذى لا تتوقف فيه عن تهويد القدس وضم المستوطنات وإستباحة كل الأراضي الفلسطينية؟
صحيح أن الإمارات شاركت في حفل إستقبال أقيم بالبيت الأبيض يناير الماضى عندما طرح الرئيس ترامب رؤيته للسلام والتي بدت اقرب لإعلان موت القضية الفلسطينية بانتزاع مزيد من الأراضى وتحويلها لمجرد كنتونات متفرقة لارابط بينها. لكن هل من المقبول أن تقدم الإمارات على طبق من فضة هدية مجانية لإسرائيل؟ وماذا لو أصرت تل ابيب أن يكون للإمارات سفارة لها بالقدس؟ هل تقبل الإمارات وتعد ذلك تمهيدا لفتح الباب على مصراعيه لمواطنيها بالسفر لإسرائيل بحجة زيارة قدسهم الشريف وأماكنهم المقدسة؟
ربما يرى المؤيدون لتطبيع الإمارات أن مافعلته ليس بجديد، وأن مصر سبقتها منذ سنوات؟ ويتناسى هؤلاء أن تطبيع مصر كان ولايزال وأعتقد أنه سيظل تطبيعا رسميا فقط، فرضه عليهم حكامهم منذ عقود، لكن الشعب ظل على موقفه مناصرا للقضية الفلسطينية رافضا للتطبيع مع عدو لا يأمن شره، ولا ينتظر يوما خيرا يأتي على يديه.. حتى ولو كان على شكل تعاون لتطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا كما تأمل الإمارات.
ستظل إسرائيل هي العدو الأخطر ومعركتها أضحت معركة وجود وإذا كان من الصعب حسمها الآن حربا، فمن غير المقبول الخنوع لها استسلاما وتطبيعا.
----------------------
بقلم: هالة فؤاد